حديث الصورة المرئية الأنزعية:
قال باب الهدى المفضل بن
عمر الجعفى للامام جعفر الصادق مبارك اسمه وصلوات الله عليه: أسالك يا مولاى عما
جرى فى خاطرى من ظهور المعنى فى خلقه بصورة مرئية، وهل تتجزأ أو تتصور او تتبعض أو
تحول عن كيانها أو تتوهم فى العقول أو توصف بالحركة أو السكون؟، وكيف ظهور الغيب
للخلق الضعيف؟، وكيف يطيق الخلق النظر الى الخالق؟.
قال يا مفضل " إن
فى خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب". يا مفضل
ان علمنا صعب مستصعب، وسرنا الوعر الأوعر، بعيد عن اللسان ان يترجم عنه إلا
تلويحا، وإنما تعرف شيعتنا بحسب درايتهم بنا ومعرفتهم فينا، وسحقا لمن يروى ما لا
يدرى ويقتصد ما لا يبصر، ولا يصح فى عقل أو لب، وذلك أن القرآن نزل على إياك أعنى
وعى يا جارة.
يا مفضل سيأتى على الناس
يتأخر فيه الخامل ذكره، والناقص عند الناس قدره، الذى يحسده المقربون ويلعنه
المخالفون، وهو منا قريب ولدينا مجيب، وسأكشف لك يا مفضل فاستمع لما يوحى اليك،
وانظر بعين عقلك، وأنصت بنور لبك، واسمع وعى، فقد سألت عن أمر جسيم وخطب عظيم وحق
يقين، وسألقى عليك منه قولا ثقيلا، وأمرا جليلا،
وهو الذى ضل به وفى معرفته الخلق الكثير والجم الغفير إلا من رحم ربك، إنه
هو الغفور الرحيم.
وهو ما أنبأنا به الباقر
منه السلام لجابر بن يزيد الجعفى، وقد سأله عما سألت وهى المحنة العظمى والسر
المستور والعلم الصعب المستصعب الوعر الأوعر الذى خفى عن سائر العوالم إلا عن الصفوة
المختارين والبلغاء المستحفظين، الذين أخلصوا فاختصوا وشهدوا بعلم ما علموا وصدقوا
بما عاينوا، كما ذكره فى التنزيل من قول السيد الجليل " إلا من شهد بالحق وهم
يعلمون".
يا مفضل سر مولاك لطيف
غامض، إعلم ان الذات تجل عن الأسماء والصفات، غيب منيع، ولا يمتنع عنه باطن ولا
يستتر عنه، خفى الضمير، لطيف ولا شئ أعظم منه، موصوف بأفعاله، مشهود بآياته، معروف بظهوراته، كان قبل القبل،
وقبل ان يجيب مجيب، إذ لا احد غيره، وقبل المكان، إذ لا مكان إلا مكانه، وهو إلى
ما لا نهاية، لا يحول عن حال ولا عما كان هو كيانه أزال. لم يفتقر الى شئ فيغر به،
ولا انتسب الى غيره فيعرف به، بل هو هو حيث هو، وحيث كان ولم يكن إلا هو...
وأعلم يا مفضل ان الظهور
تمام البطون، والنطق تمام الصمت، ومتى لم تكن الحكمة تامة فى بطونها، كاملة فى
ظهورها، كانت الحكمة ناقصة من الحكيم وإن كان قادرا. قلت زدنى يا مولاى واشرح صدرى
حتى يحيا به من قرب منى ونظر الى حياتى. فقال أعرفك بحقيقة المعرفة الذى يقرب منك
من مشا بنورى، ثم قال يا مفضل: إن ظهور الأزل بين خلقه عجيب، لا يعلم ذلك الا عالم
خبير، وإن ذلك الصعب.
إعلم ان الذات لا يقال
لها نور لها منيرة كل نور، وإن مولاك الأزل شاء من غير فكرة به ولا وهوما لاظهار
المشيئة وخلق للشئ وهما الميم والسين. فأشرق من نور ذاته نورا شعشانيا لتثبت له
الأنوار، وأظهر النور ضياء لم يبن منه، وأظهر الضياء ظلا. فقامت صورة الوجود فى
الضياء والظل، وجعل باطنه الضياء والنور، والذات قائمة بذاتها، وذلك
قوله:"ألم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا"، يعنى ما كان
فيه من الذات. فالصورة الأنزعية هى ذات الضياء والظل، وهى التى لم تتغير فى قديم
الدهور، ولا فيما يحدث من الأزمان، وظاهره الصورة الأنزعية، وباطنه المعنوية، وتلك
الصورة هى هيولى الهيولات وأس الحركات . معلة كل شئ ولا يعلها شئ ولا يعلم ما هى
الا هى....
ويجب أن تعلم يا مفضل أن
الصورة التى قالت ظاهرى إمامة ووصية وباطنى غيب لا يدرك ليست كلية البارى ولا
البارى سواها. وهى هو إثباتا وإيجادا وعيانا ويقينا وليست هى هو كلا ولا جمعا ولا
إحصار ولا إحاطة.
قال المفضل: يا مولاى
زدنى شرحا فقد علمت من فضلك ونعمتك ما أقصر به عن بعض صفة من صفاتك. فقال لى يا
مفضل سل عما أحببت، فقلت يا مولاى تلك الصورة التى رئيت على المنابر تدعو من ذاتها
الى ذاتها المعنوية وتصرح باللاهوتية، قلت انها ليست كل البارى ولا البارى غيرها، فكيف لى علم هذا الموضع؟. فقال: يا مفضل، تلك
صفات النور وقمص الظهور ومعادن الإشارة وألسن العبارة، حجبكم بها عنه، ودلكم بها
عليه، لا هى هو ولا هو غيرها، محتجب بالنور، ظاهر بالتجلى ، كل يراه بحسب معرفته،
ويتأمله بقدر طاقته، فمنهم من يراه قريبا، ومنهم من يراه بعيدا.
يا مفضل ان الصورة قدرة
قدير ونور منير وظهور كمولاك رحمة لمن آمن وأقر وعذاب على من جحد وانكر. وليس
وراءه غاية ولا له نهاية...
فقلت يا مولاى: فالواحد
الذى هو محمد؟. فقال الواحد هو محمد اذا سمى ومحمد اذا وصف. فقلت يا مولاى فعلى؟
فقال: مه يا مفضل، المعنى فوق اسمه. ألم تسمع الى قوله ظاهرى إمامة ووصية وباطنى
غيب لا يدرك. فقلت يا مولاى ما باطن محمد؟ نور الذات وهو اول الكون وبدؤ الخلق،
المكون لكل مخلوق، متصل بالنور منفصل بمشاهدة الظهور. إن بعد فقريب وان دعى فمجيب،
إذ هو الواحد الذى أبداه الأحد، إنه نوره الذى يدخل الأعداد، والواحد أصل الأعداد وعادلها ومنه بدؤها، وجميع الأعداد
فاليه عودتها وهو المكون لها.
فقلت يا مولاى: فقول
الميم منه السلام"أنا مدينة العلم وعلى بابها"، فقال يا مفضل إنما عنى
به سلسل الذى تسلسل منه نوره، لأنه أعلى المراتب وباب لها، فمنه يدخلون الى
المدينة وعلم هدايته، فعلى يديه يخرج اليهم، وهو المترجم لهم بما يمده سيده من علم
الملكوت وجلالة اللاهوت.
قلت يا مولاى فقول السيد
الميم:" أنا وعلى كهاتين ولا أقول يمينا ولا شمالا وأقرن بين إصبعيه". فقال يا مفضل: ليس لأحد
من أهل المعرفة ان يفصل بين الإسم والمعنى، لأن الإسم اخترع من نور الذات، فليس
بينه وبين النور فرق ولا فاصلة، فلاجل ذلك قال: أنا وعلى كهاتين، إشارة منه الى
العارفين أن ليس ثم فصل، وليس بينه وبين باريه واسطة، ولا كان شخص غيره (أقرب اليه
منه).
أما سمعت قوله
تعالى:" ويقطعون ما امر الله به أن يوصل". وإنما نهى ان يكون بينه وبين
باريه واسطة لأنه بدء الأسماء فلأجل ذلك قال أنا وعلى كهاتين، إشارة منه للعارفين،
فمن عرف الاشارة استغنى عن العبارة، ومن عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة. ألم
تسمع لقول مولاك امير المؤمنين: إن لمعرفتنا دلالة، فمن أصاب الإشارات وعرف
الدلالات اعتدل مزاجه وصح منهاجه وأبصر فى الظلم ونجا من التهم وظفر بالنور وحلاوة
السرور وعرف الظهور ونوال ثوابها، فأولئك المقربين فى جنات النعيم. يا مفضل: أحاضر
أنت أم غائب؟. فقلت يا مولاى بل حاضر،
فقال: إعلم ان المعنى يجل عن الأسماء والصفات، ولا يترايا فى الهياكل المحدثات،
لئلا يقع عليه صفة محدودة او كيفية منعوتة، وإنما الأسماء والصفات والنعوت
والإشارات واقعة بالواحد القديم الإسم العظيم.
يا مفضل ان جابر بن
عبدالله الانصارى كان يحدث عن مولاه باحاديث فمرة يكشف فيها ومرة يلوح ومرة يصرح،
فمن ذلك انه كان ذات يوم جالسا بين جماعة من المهاجرين والأنصار. إذ قالوا له يا
جابر، إن رأيت أن تحدثنا بشئ مما عاينته من قدرة مولاك يوم الأحزاب، فقال حبا
وكرامة. فقال إعلموا أنى رأيت عمرو بن ود العامرى وعكرمة بن أبي جهل وغالب بن مالك وأربعة عشر رجلا، لو أن جميع أهل
الأرض بارزهم لما قاموا بهم، وقد عبروا الخندق على عظم ما كان من سعته، حتى لحقوا
بمعسكر رسول الله صلى الله عيه وآله، فأشفق المسلمون من ذلك وظنوا الظنون، وقد كان
عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص فى طرف المعسكر يرشقان بالنبل. فما لبث المسلمون
حتى ولوا منهزمين الى عمر وجماعته، فانضم المسلمون بعضهم الى بعض، حتى نادى رسول
الله صلى الله عليه وآله: أين كاشف كربي ومفرج الهم عنى، أين منجز وعدى، أين قاضى
ديني، أين على بن أبي طالب. فعلمت انه دعا ربه وطلب من يجيبه عند كربته ليثبت على
الخلق دلالته وحجته ويورى للخلق حاجته الى ربه.
فأجابه مولاى: لبيك لبيك
يا رسول الله لقد جاءك الغوث، ثم جرد سيفه ذو الفقار وبرز نحو العامرى وأصحابه،
فلم أتمالك دون أن اتبعه ومعى حذيفة بن اليمانى المخزومى لنرى ما يكون منه، فكأنى
انظر اليه وقد قتل عمر بن ود وطرد أصحابه وهو واقف يمسح جبينه بطرف بردته، حتى
سمعنا ضجيج المسلمين وقد دخل على الخندق فعاينه المؤمنون، فكنت انا وحذيفة تأملناه
ورأيناه وشاهدناه، وإذا نظرنا الى إشارة المسلمين اليه فى معسكر المشركين رأيناه
يضرب ويقتل ويطرد، وأنا وحذيفة كنا بإزائه وقد قرأ قوله تعالى:" فاذا نفخ فى
الصور فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون". ثم نعيد أبصارنا فنراه قائما يلوح
بسيفه تلويحا ذات اليمين وذات الشمال
فيقطع ايد وارجل وهم سبعة عشر فرقة حتى ولى القوم وانهزموا. وكل حزب منهم يراه فى
أثره ويتامله فى عقبه بصورته التى لم تزل ولم تزول ولم تتغير ولم تتحول.
فقلت لحذيفة هل رأيت من
قدرة مولاك فى خلقه كما رأيت ونظرت كما نظرت؟. فقال يا أخى اخفى ما رأيت فان الامر
عظيم والخطب جليل. ثم عاد أمير المؤمنين الى رسول الله صلى الله عليه وآله
والمسلمون على جهتين، فأكثرهم يجمع على أنه لم يزل على شفير الخندق يهز سيفه بعد
أن قتل عمرو وأصحابه، والباقون يقولون رأيناه قد عبر اليهم وحصل فى اوساطهم فقتل
وطرد.
قالت الجماعة الحاضرة
صدقت يا جابر، هكذا يفعل الله بأعدائه، فجعل الصادق منه الرحمة يقول يا مفضل هذه من إشارات
العارفين ودلالات على رب العالمين.
قال المفضل قلت يا مولاى
ابدأ بالبينات، قال يا مفضل لا يسع الكشف، فقلت يا مولاى قد بان للعارفين إشارتك
وغرب عليهم ادراك نهايتك. قال يا مفضل: العلى الأحد إذا كان ظاهرا لخلقه بدأ بثلاث
حجب: يحجب ذاته بنوره ويحجب نوره بضيائه ويحجب ضياؤه بظلاله. وهم انوار لا أجسام
ولا بشر، والصورة الأنزعية هى ذات الضياء والظل، وهى التى لم تتغير فى قديم الدهور
ولا فيما يحدث من الازمان والعصور. فظاهره
الصورة الأنزعية وباطنه المعنوية، تلك الصورة هيولا الهيولات ومأزلة الأزليات ومظهرة
المعجزات، ظاهرها منعقد بباطنها كما قال: ظاهرى إمامة ووصية وباطنى غيب لا يدرك،
وذلك انهم يقرون انه إمام وأن علمه ربانى، فإذا قيل لهم انه معنى المعانى والرب
الصمدانى تولوا وكفروا.
وذلك بانهم يؤمنون بغيب
لا يرى ومن عبد ما لا يرى أوشك ان لا يكون على شئ، فلما دلهم على ذاته وصرح لهم
بمعنويته كفروا به وجعلوه مربوبا. وقد نص على إسمه فى سورة الحشر اذ يقول:"
وظنوا انه مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا"، ولم يأتهم
فى ذلك الوقت سوي مولاك العين، يا مفضل فمن عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة،
وقرار المعرفة حقيقة المعنى جلت قدرته.
أما سمعت الإشارة فى
قوله تعالى:" الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح
فى زجاجة، الزجاجة كانها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا
غربية، يكاد زيتها يضئ ولو تمسسه نار، نور
على نور، يهدى الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس، والله بكل شئ
عليم". وأنا مفسر لك هذه الآية وهى فى ظهور مولاك العين، إعلم ان المشكاة هى
الصورة المرئية الأنزعية، والمصباح الضياء والظل الذى ذكرته لك، الزجاجة التى
كأنها كوكب درى هى النور الذى بدا من الذات، والشجرة هى الذات لانها لا توصف فلا
هى فى الشرق فيخلوا منها الغرب ولا هى فى الغرب فيخلوا منها الشرق، بل هى فى
الجميع عامة،، يكاد زيتها يضئ ولو تمسسه نار يعنى الصورة التى ظنوا انها بشر هى
نور الضياء، والظل من ورائها، وهى نور الذات ولسان الإشارات فتلك لسان الحق لا
لسان لحم أو عظم، يهدى الله لنوره من يشاء.
يا مفضل وقفت على سر
الله الخفى وظاهره الجلى، وباطنه المنيع وذاته الرفيع. يا مفضل إعلم ان الصفة غير
الموصوف والنعت غير المنعوت والمكان غير المكون والنور غير المنير والقدرة غير
القدير لأنه منه أبداها، وكذلك الإسم غير المعنى لأن المعنى متأحد بنوره متأنس الى خلقه كخلقه، فاذا بطن ففي ذاته وغيبه
الذى لا يشاكله الا هو، فتعالى الله العلى
العظيم.
وقد سألتنى يا مفضل عن
المشيئة، فاعلم ان الله شاء ان يبدى مشيئته ولم يزل بها عالما، فكانت المشيئة
إرادة من غير همة ولا حدوث ولا فكر ولا انتقال حركة الى سكون أو سكون الى حركة،
وذلك إنه لم يظهر المشيئة التى هى إسمه لحاجة منه إليه، ولكن بطبع الكتاب الحميد
بدت الحكمة إظهار ما فيه للعيان، ولو لم يظهر من غامض علمه الى وجود معاينته، لكان
الملك ناقصا والحكمة غير تامة، لأن تمام القوة والفعل تمام العلم والمعلوم، وتمام
الكون والتكوين، فافتح يا مفضل مقلتى قلبك لأمر ربك وأعلم أن النور لك يكن باطن
الذات، فظهر منه، ولا ظاهرا فيه فبطن فيه. بل النور من الذات من غير تنقيص ولا غاية فى
غيبة، بل استتار مشرق منه بلا انفصال كالشعاع من القرص أو الفئ من الشبح.
يا مفضل: الصورة التى
يظهر بها الإسم من ضياء نوره أفضل من ضيائه الذى تشخص للخلق لينظروه، ودلهم على
باريهم ليعرفوه، فهى صفة النفس، والنفس صفة الذات، فلأجل ذلك سمى بنفسه، لقوله
تعالى:" ويحذركم الله نفسه". وإنما حذركم أن تجعلوه محدثا ومصنوعا
كالمحدثات، لأن نور الذات قديم غير محدث ولا مصنوع، ولو كان ذلك النور محدثا لكان الذات محدثا،
وهذا هو الكفر.
إعلم يا مفضل أنه ليس
بين الأحد والواحد إلا كما بين الحركة والسكون وبين الكاف والنون، لأنه متصل بنور
ذات الأحد الذى لا يحد لأنه غاية من قصده ونهاية من طلبه، والباب من دون الإسم،
ومن دونه سائر المراتب. أتدرى يا مفضل لم
سمى أحمد؟، قلت لا يا مولاى، فقال: من حمد الخلائق واتباعها له. يا مفضل: من قال
يا الله وسائر الأسامى الربانية فإنما بالواحد التوسل والدعاء. يا مفضل أما سمعت
قوله تعالى:" إن الله ربي وربكم فاعبدوه، هذا صراط مستقيم"، أما الصراط
الذى ذكرته عامة من لا يعرف أنه أحد من السيف وادق من الشعرة، وعلمه واستقامة
الأمر له بتلك الصورة، ومن علم أنه ظاهر اللاهوت فقد استقام على الصراط الذى لا
اعوجاج فيه وعرف السر الخفى والنور المضى.
يا مفضل وكل إسم للإسم
واقع بباب وحدانية أم الحروف الياء، وكذلك أنه لما خلق الله الواحد وظهر له عز وجل
ودعاه فأجابه، ثم قام الثمانية والعشرون حرفا حرف الميم وظهر لهم عز وجل ودعاهم
فأجابوه وسجدوا لمولاهم فعظموه وتأخر الألف عن السجود، فناداه مولاه: ما منعك
واخرك عن السجود أيها الألف؟. لم لم تسجد كما سجدت سائر الحروف؟. قال يا مولاى:
أنت الآمر وأنا المامور وانتظرت أمرك، وكان آخرها، وقال له كنت آخرها فجعلتك
أولها، والياء آخرها وعطفها عليه. فجعل
مولاك مادة الحروف من الياء الذى هو شخص الباب سلسل، وتجلى ربك للحروف فناداها،
فأول من أجاب الباب لبيك لبيك يا من انتهت (انتفت) صفاته وغايته، وكلما رأيته رأيت
نفسي حقيرة ومنزلتى حقيرة، فناداه مولاه: لأجعلنك باب لوحدانية علمى ولأجعلن لك
مرتبة فى الاخرين كما لك مرتبة فى الأولين، ثم عطف من الأول الى الآخر، كما تعطف
الياء التى هى شخص الباب الألف الذى هوأولها و أصله، فأورد الداعى أن يدعو مثل قوله يا رحمن يا رحيم،
بالياء يبدأ وبالإسم يثنى وللمعنى يدعو ويناجى، فالياء منكشفة والألف اولها،
فالباب بكل شئ عليم بما يمده به سيده من علم الملكوت وجلالة اللاهوت.
فقلت يا مولاى قد اتضح
لى الحق بما قلته لى، فمعرفتى ببقية الحروف التى خلقها الله الواحد ببابه
الوحدانية، فقال انصت يا مفضل لما أيدك الله به إنه كان بالمؤمنين رحيما، إن
الثمانية وعشرون حروف المعجم، منها منها الياء الذى باشر منه الطالب وبه يبدأ،
ومنها الخمسة الأيتام الذين هم أيتام بابه، ومنها الأحد عشر كوكبا الذين رآهم يوسف
فى المنام، والاثنى عشر نقيب، فهؤلاء يا مفضل بركات الله فى أرضه، وبهم يؤيد من
اصطفاه من بريته، بهؤلاء يا مفضل أبدا (خلق وأظهر) الله الأولين والآخرين، فهم من
بابه يستمدون ومن نوره يقتبسون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين
أيديهم وما خلفهم، ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون.
ومن هؤلاء يا مفضل يكون مداد المنبأون والنجباء
والمختصين والمخلصين والمقربين والكروبيين ووالروحانيين والمقدسين ووالسائحين
والمستمعين واللاحقين. ومن هؤلاء يكون
مداد الطالبين، فأحمد الله على ما خولك من معرفته ومنحك من هدايته، والحمد لله حمد
الشاكرين، وصلواته على محمد وآله الطاهرين، والسلام على من اتبع الهدى وخشى عواقب
الردى، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم.
انتهى الخير الشريف
Comments
Post a Comment